تاربخ قلعة صالح فى ميسان
كانت قديما تسمى ب(الشطرة) ثم سميت (شطرة
العماره) تمييزاً لها عن شطرة المنتفك وذلك في عام 1884 وقد سميت ب(قلعة
صالح) نسبة الى (صالح النجدي) الذي انتدبته الحكومة العثمانية لمحاربة
العشائر التي امتنعت عن أداء الرسوم إلى الدولة العثمانية وهو الذي انشأ
قلعة في الموقع الذي كان قد عسكر فيه فسميت بهذا الاسم وهو الذي اشرف على
إسكان مجاميع من الناس على ضفتي نهر (الكرمه) الذي يربط نهر دجلة بنهر
المجرية وهكذا اتسعت المدينة حتى أصبحت قضاء تابع إلى مدينة ألعماره وقد
بنيت فيها الأبنية على الجانب الأيسر من نهر دجلة وكان يربطها بالجانب
الأيمن عباره تحولت بمرور الزمن إلى جسر مكون من عدد من السفن (المهيلات)
فأصبحت سوقا كبيرا وفيها من النفوس حسب إحصاء 1930 (3045) ثلثهم من الصائبة
الذين أقاموا معابدهم الدينية المنادي في موضع يقال له (لطلاطه) وأصبح عدد
نفوسها زهاء 5000 في عام 1947 وهم خليط من المسلمين والصابئة واليهود
فالمجتمع في قلعة صالح مكون من طبقة الموظفين الذين يديرون شؤون القضاء
إدارياً وطبقة من أبناء العشائر الذين نزحوا من مرقدي (عبد الله بن علي بن
ابي طالب) ، ونبي الله (العزير) وهم ( العطارون ، والبقالون ؟، والوزانون)
ومن عشائر مختلفة وطبقة من أبناء الصابئة الذين يمارسون صياغة الحلي وطبقة
من اليهود الذين نزحوا من منطقة مرقد نبي الله (العزير) ، وكانوا يشتغلون
بالربا وحتى بيع المشروبات الخمور وبعد ذلك سكن المدينة أصحاب الحرف
الشعبية وخاصة البنائين وقلعة صالح مكونة من عدة محلات :
أولا: محلة الصائبة في لطلاطه في الجانب الايسر من نهر دجلة .
ثانيا : محلة السليمانية وحدودها من الجسر إلى علوة الأسماك وكان اغلب سكانها من اليهود .
ثالثا : محلة الغربية وهبي المحلة التي تقع على الجانب الايسر من نهر الكرمة والذي اندثر وأصبح شارعا.
رابعا: محلة الحسينية وهي المحلة التي تقع على الجانب الأيسر من نهر الكرمه المندثر .
ومجتمع قلعة صالح لم يتغير منذ تأسيس المدينة حتى قيام ثورة 14/تموز/1958
عندما شرعت الثورة قانون الاصلاح الزراعي رقم 30/1959 الذي حدد العلاقات
الزراعية وانهي مرحلة الإقطاع إذ كانت جميع الأرضي في قلعة صالح موزعة
بطريقة الالتزام على 26 شخصا منهم 18 من شيوخ العشائر و 8 أشخاص من
المزارعين الكبار ومن أشهر الأسر التي سكنت القضاء 1. بيت مرزوك 2. بيت
دمعه 3. بيت احمد حميدي الخفي 4. بيت سيد جواد القزويني 5. بيت الشيخ عبد
المجيد الهاشمي 6. بيت الشيخ محمد حسين الحر العاملي ، 7. بيت الحاج علي
البهار الظالمي 8. بيت احمد الخماس ، 9. بيت عاشور الحسن 10. بيت قاسم
الحاج علي ،11. بيت هادي السعيد 12. بيت عمران 13. بيت درجال . 14. بيت
حامي عبيد . 15. مله سليمان 16. بيت الشيخ حسين الخزعل . 17. بيت السيد
عريبي البو حيه . 18. بيت الشنك 19. بيت حسين الشندل 20. بيت منصور الزاير .
21. بيت محسر المالكي .
وكان المختار في القضاء ينتخب من قبل عامة الناس وهم على التوالي 1. منصور
الزاير 2. حسين علي الشندل 3. كاظم الدرجال . وآخرون..... ثم اصبح لكل محلة
مختار .
أفتحت أول مدرسة في قلعة صالح في حزيران 1917 ، وافتحت ثاني مدرسة في عام 1949 وسميت مدرسة الأندلس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحيرة ساوة في السماوة معجزات من معجزات الله
[COLOR="Magenta"]كثيرة هي المواقع السياحيه والاثريه التي يزخر بها عراقنا
الحبيب ومنها بحيرة ساوة الاسطوره التي كتب عنها حسين المعاضيدي هذا
التقرير المميز بحيرة في عمق صحراء قاحلة، تحيطها الرمال من كل صوب.. لم
تكن ظاهرة للعيان، فلا يكاد يبصرها قاصدها إلا حينما يصبح على أعتابها..
نامت، فغفت في قاعاها أسرار الزمان الغابر، الذي يرفض أن يسبر عن أغوارها!
خلف تلك السدة الغريبة الهيئة، والتي تشبه إلى حد كبير السياج الذي يعلو
قرابة الخمسة أمتار، لا شيء يوحي لك بالحياة سوى بقايا أسرار تختزنها قاع
تلك البحيرة التي حار في ألغازها أعتى العلماء .. إنها بحيرة ساوة، التي لا
شيء يوحي لك بالحياة عندها، سوى بقايا تلك البنايات المهدمة، التي تم
تدميرها وتخريبها على يد المحتلين الأميركان، فما أغربه من مكان وما أغربها
من بحيرة، وما أبشعه من محتل.!
مشهد ومنظر يندر وجوده، وما أروعه من مشهد، بحيرة تمتد لمسافة بعيدة، وبطول
عدة كيلومترات، وعند نهاية البحيرة، وقفت الشمس، لتضيف إلى منظر البحيرة
جمالاً، لا يمكن وصفه، وهي تكاد تغرق في نهاية طرفها الثاني.
بحيرة ساوة لها وقع على النفس شديد، فهي تقع في منطقة صحراوية ووسط بحر من
الرمال، وهي تبعد قرابة الثلاثين كيلو متراً جنوب غرب مدينة السماوة، مركز
محافظة المثنى.
معجزة إلهية، عجز العلم عن تفسير سرها المحير، حتى باتت طلسماً يحتار فيه
العلماء.. يسميها أهل الجيولوجيا ساوة الغريبة، نسبة إلى غرائبها، وساوة
العجيبة، تعبيراً عن عجائبها، ويطلقون عليها ساوة الجميلة، فيشبهونها بذلك
بامرأة فائقة الجمال.. أودعها الخالق سر الخلود الأبدي في ذاكرة التاريخ،
فأصبحت سراً منسياً على مر العصور، خالفت مياهها موازين المنطق، وغادرتها
سمات الجغرافية على استحياء، ورفضت الخضوع لمنطق الجيولوجيا، وتحدت كل
المفاهيم الفيزيائية، فظلت متمردة على كل قوانين الطبيعة. تعد بحيرة ساوة
من أهم المعالم المميزة في العراق، وفي العالم اجمع، وذلك لتكوينها الفريد
إلى جانب الظواهر الطبيعية التي صاحبتها..
شكلها يشبه ثمرة الكمثرى، وعند النظر إليها من الجو توحي لك بأنها بطة تبحث
عن حياة في وسط الصحراء.. مساحتها الكلية تبلغ أثني عشر كيلو متراً مربعاً
ونصف، ويتحول عرضها إلى نصف كيلو متر في أضيق منطقة. أما طولها فيبلغ
قرابة الخمسة كيلومترات، وعرضها في أوسع منطقة فيها يبلغ الكيلو مترين.
هذه البحيرة التي تستقر في فوهة كأنها فوهة بركان، عُرفت منذ أربعينيات
القرن الماضي كمنطقة سياحية، وتوافد عليها الزائرون، الذين تزايد عددهم
بمرور الأيام بعد أن أخذت قصص عجائبها وغرائبها تتداول على الألسن، فشيدت
قربها المطاعم التي تم تصميمها على شكل خيام جميلة، والمناطق الترفيهية،
والشقق السكنية المعلقة، والكثير من الخدمات لزوارها، حتى طالتها يد
المحتل، ليحول كل ذلك إلى أنقاض، وإلى كومة أطلال، وأثراً بعد عين، حقداً
منه على كل جميل في أصقاع وادي الرافدين التي حباها الله بالكثير من
الخيرات، حتى باتت مطمعاً للمحتلين على اختلاف أشكالهم!
من أغرب البحيرات في العالم، تقع وسط صحراء مترامية الأطراف.. مجهولة
المنشأ والتاريخ، يعدها العلماء ظاهرة تستحق الدراسة، ويعتبرها الفرس لعنة
أبدية لارتباطها بارتجاج واهتزاز إيوان كسرى، وانطفاء نار المجوس،
والمسلمون يعدونها مقدسة، كونها فاضت يوم مولد الرسول، ويقال أنها كانت
منبع تدفق المياه الذي أغرق الأرض في عهد سيدنا النبي نوح (عليه السلام)،
ثم عادت هذه البحيرة فابتلعت المياه من جديد بإذن الله، فيما ينسبها البعض
إلى إنها من علامات قيام الساعة، حيث جفاف ماؤها واحد من تلك العلامات، أما
اغرب ما قيل عنها بأنها كائن حي، يحس ويتألم، ولكنه لا ينطق، فان نطق
فإنما ينطق غرابة!!
حيكت عنها الكثير من الأساطير، ونسج حولها الناس خيوط الخرافات، حتى أمست
أغرب معالم العراق، بل والعالم! وتميزت بأنها ظلت عصية على التفسير، حتى أن
البعض يراها واحدة من أفلام الرعب أو الخيال العلمي، ويذهب البعض إلى أكثر
من ذلك، فينظرون إليها على أنها أعجوبة ثامنة كان يجب إضافتها إلى عجائب
الدنيا الشهيرة.
ذكرها المؤرخون والرواة كثيراً، فقد روي عنها إنها أفاضت الماء يوم ميلاد
الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث يقال انه وفي الليلة التي ولد فيها رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، اهتز إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة،
وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، إلى جانب أن بحيرة ساوة قد
فاضت.
هذه البحيرة التي تسكنها الأشباح اليوم، كما يقال، ضاع العلماء في تفسير
تكوينها ومصادر المياه التي تغذيها، فأحتار الخبراء في سرها ولم يعثروا على
حل لغموضها، فهي لا مجرى مائي لها، وذلك أول غرائبها، فلا عيون ماء
تغذيها، ولا مجرى سطحي يزودها بالماء.
أعتقد بعض العلماء أن هنالك ينابيع مجهولة تغذيها، ولكن تكون قاعها من
الصخور الصلدة، إضافة إلى كون مستوى المياه فيها ثابت، رغم مرور الزمن، فند
هذه النظرية، فكيف تتناسب ما تضخّه هذه الينابيع المجهولة مع نسبة التبخر
طيلة هذه القرون، كما أن هذه الينابيع، إن وجدت، لا تجد تفسيرا لها،
ولاستمراريتها المنتظمة، وسرّ وجودها في هذه الصحراء القاحلة المترامية
الأطراف..
ولكي لا تتسرب هذه المياه، وتذوب في رمال الصحراء، كوّنت لنفسها تلقائيا
حواجز كلسية، لا يعرف من أين أتت بها هي عبارة عن سياج يحيط بها، لا يُعرف
كيف نشأ، أو كيف تكون، أو كيف أوجد نفسه، وما يميز هذا السياج الكلسي هو
احتواءه على ظاهرة الكهوف التي تنتشر على طول كتفها، وتبلغ مساحة هذه
الكهوف مابين المترين إلى الثلاثة أمتار، إلى جانب أنها تحوي صخوراً ملحية
تشبه زهرة القرنابيط توجد داخل البحيرة وعلى مقربة من الكتف الكلسي، ولا
احد يعرف كيف حافظت على شكلها كل هذه القرون، وهذه الكهوف الصغيرة والأشكال
الكلسية غير المنتظمة تبعث الجمال مع زرقة المياه ونقاء الطبيعة.
ضاربة في القدم حسب ما يقوله الخبراء في مجال المياه والجيولوجيا، ومياها
لا يوجد مثيل لها سوى في بحر قزوين، وأنها ربما ترتبط بطريقة أو بأخرى ببحر
قزوين، وهو ما دفع ببعثة سوفيتية لزيارتها في العام 1976، لكن علوها عن
سطح الأرض، وعن مستوى بحر قزوين، قد فند تلك التخمينات، فهي أعلى من مستوى
الأرض المحيطة بها بأكثر من خمسة أمتار، ما جعلها تكون أشبه بوعاء يستقر
فوق الأرض، ولا يمكن رؤيتها نتيجة ذلك إلا من مسافة قريبة جداً ولا يمكن أن
تبصر ماؤها إلا باعتلائك لسياجها الكلسي، إلى جانب ذلك فإنها ترتفع بأكثر
من احد عشر متراً عن مستوى نهر الفرات، لهذا فالناظر إليها لا يشاهد منها
أية ملامح، وكل ما يراه هو البقعة المائية "المحدودبة" التي تبدو كالسراب
النافر.
أما أبرز غرائبها فهو احتوائها على ظاهرة الإخلاف التي تتميز بها بعض
المخلوقات الحيوانية، فقد عُرف عنها إنها تقوم بلحم الأجزاء المتهدمة من
سياجها وتعويضها بدون تدخل الإنسان، لهذا شبهها البعض بأنها كائن حيواني
وليس جمادي.
أخذت نماذج من مياه البحيرة وأخضعت للتحليلات المختبرية فوجد أن كثافتها
تفوق كثافة البحار، كما أن نسبة الملوحة فيها تقدر بحوالي 1600 جزء
بالمليون، وهي نسبة عالية جداً، حتى أن هذه النسبة تفوق ملوحة مياه الخليج
العربي بمرة ونصف تقريباً، ولا احد يعرف سبب نسبة الأملاح العالية في
مياهها هذه!!
يعيش فيها نوع واحد من الأسماء وتكون عمياء بلا عيون وشفافة جداً، حتى انك
ترى هيكلها العظمي من وراء الجلد، وطول هذه الأسماك لا يتجاوز العشرة
سنتمترات، وهي شحمية سرعان ما تذوب في اليد حين تعرضها إلى أشعة الشمس،
والمثير للاستغراب مصدر الغذاء التي تعيش عليه هذه الأسماك، فالبحيرة لا
توجد فيها حياة بحرية، فكيف لأسماكها أن تعيش وهي لا تجد ما تأكله أو تتغذى
عليه.
ظلت تصارع الصحراء وتقاوم الحرارة، يبلغ عمق بعض من أجزائها أكثر من مائة
متر، حتى أن البعض من العلماء اكتشف أن عمقها يصل إلى مائتين وخمسين متراً
في بعض الأماكن، وذلك غريب جداً فالخليج العربي لا يتجاوز عمقه المائة متر.
لقد تم مسح البحيرة في مواقع مختلفة، وتم جمع عينات من الماء لتحليل
كيميائيته وفيزيائيته، إلى جانب اخذ عينات من قاع البحيرة لمعرفة تركيبة
القاع وخصائصه الجيولوجية والكيمائية، فتم لأول مرة مسح مقاطع من البحيرة
لرسم شكل القاع الموجود بواسطة أجهزة متطورة، دون أن يتمكن الفريق من
التوصل لنتائج تضع النقاط على الحروف، بل أن ذلك زادها تعقيداً أكثر وأكثر،
فكل ما توصلت أليه الفرق البحثية هو أن هذه البحيرة فريدة في تكوينها
المائي والقاعي في العالم، وأنها لا تشابه البحيرات من حيث التركيبة
الكيميائية، حيث أن مياها تمتلك مواصفات خاصة في تراكيز العناصر والايونات،
كما أنها لا تشبه مياه البحر من حيث نسبة الملوحة، كما أنها لا تشبه
المياه العذبة.
ساوة، تلك البحيرة اللغز، والتي تكونت عبر عصور غابرة، وأقترن بريقها بخضرة
مدهشة زادتها تألقاً وجمالاً، وتنعكس فوقها أشعة الشمس عمودية لتضيء ما في
جوفها من أسرار، هذه البحيرة التي كانت تعد يوماً مركزاً لعلاج مختلف
أنواع الأمراض الجلدية، نتيجة طبيعة مياهها، باتت اليوم تبحث عمن يعالجها
من جراحات المحتل، ذلك المحتل البشع، الذي ذبحها بغير سكين، ليجعلها اليوم
تبدو مهجورة تماماً، فلا زائر لها، وليس فيها أو قربها أي حياة، ولا أماكن
للاسترخاء أو المشاهدة، ولا محلات أو مطاعم أو فنادق قربها، ولا خدمات، بل
أن من يذهب إليها يموت عطشاً وقربه الماء، ما أضاف ذلك إلى موتها موت جديد!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاُبُلّة
جسر العالم القديم
مدن تحتضر, وأخرى تنبعث من الرماد, وثالثة تنهار,
وغيرها تدفنها كثبان النسيان, وترزح تحت وطأة الإهمال, ولا يشفع لها سجلها
الحافل بالخيرات والعطايا الممتدة عبر قرون العصور المبكرة. وهكذا كان مصير
مدينة الاُبُلّة, التي مزقتها خناجر الغزاة, وعصفت بها رياح الصراعات
المذهبية والسياسية, ونهشتها أنياب الدهر, وطمرتها الترسبات الطينية.
فتقهقرت شواطئها, وردمت مرافئها. حتى ضاع صيتها, وانطفأت شعلتها, ورقدت في
مقبرة التاريخ. ثم اختفت, وتلاشت معالمها. وأختلف الجغرافيون والباحثون في
تحديد مكانها المفقود, وبالتالي لم يحالفهم الحظ في تعيين مجرى نهر
الاُبُلّة. .
بين إيكاروس وخاراكس
الاُبُلّة جسر العالم القديم. وملتقى المسالك البحرية والبرية القادمة من
آسيا وأفريقيا وأوربا. وبانوراما الحضارات الإنسانية الضاربة في عمق
التاريخ. ومسرح السلالات السومرية والآشورية والبابلية والكلدانية. وأيقونة
القوميات السامية. ومحراب الديانات المندائية والعبرية والنصرانية. وقلعة
العروبة والإسلام. وقبة العلم والمعرفة. ومنبع المدارس الفكرية واللغوية.
وأم المرافئ العربية القديمة. ومصب الروافد العرقية الفارسية والهندية
والصينية والتركية والبرتغالية والهولندية والمنغولية والسكسونية
والفينيقية. حملت شعلة العالمية والتنوع والتعددية في الثقافة والفنون
والآداب. . وقصدها التجار من مشارق الأرض ومغاربها. وهاموا في عشقها,
وتعلقوا فيها, فخلدوا اسمها على هواهم, وكتبوه بإيقاعات أبجدياتهم
المتناغمة مع صوتها الأممي. فهي (Opologos), و(Ubullah), و(Obollah),
و(Obolla), و(Oboleh), و(Obolegh), و(Al-Ubullah). .
بيد انها اشتهرت بأبولوجوس. وكانت تطل على دجلة العوراء (شط العرب), وتتوسط
بين جزيرة إيكاروس (فيلكا الكويتية), والعاصمة خاراكس Charax (عاصمة مملكة
ميسان).
الاُبُلّة معبد ملاحي
إلى الشمال من مدينة الاُبُلّة, وقف جلجامش في (أور), التي اجتاحها الطوفان, مناديا بأعلى صوته :
يا جدار. يا بيت القصب. يا جدار
يا ملك شورباك
يا ابن أوبارو توتو
أهدم بيتك وشيد زورقا
هرع السومريون لتلبية هذا النداء المصيري, ونجحوا في بناء السفن والقوارب
من القصب والبردي المطلي بالقار. وانطلقوا بها في بحار الله الواسعة.
واختاروا لؤلؤة الخليج (دلمون) لتكون مقبرة ملكية لموتاهم. ودخلت الملاحة
منذ ذلك الحين في طقوسهم وعباداتهم, وكانوا يسمونها (ملاحو). وتحولت قراهم
الى ترسانات صغيرة لبناء المراكب. وتعددت عندهم وسائط النقل المائي. ووجدوا
إن سفنهم بحاجة إلى مرافئ تلوذ بها. فبنوا ميناء (أريدو), وطوروا ميناء
الاُبُلّة. وتوسع هذا الميناء شيئا فشيئا حتى صار أكبر موانئ العالم.
وتوفرت له مقومات النمو الدائم. فكان حلقة الوصل بين القارات. وشهدت
المدينة المينائية تحسنا متسارعا. فتحولت أخصاصها دورا, وآجامها قصورا. .
برع أهلها في فنون السيطرة الملاحية. والتحكم بتحركات السفن القادمة
والمغادرة, فشيدوا فنارين ملاحيين كبيرين. احدهما على ساحل البحر, في موضع
يقال له (الحدّارة). كانوا يسمونه (الخشّاب). وهو تحريف للخشبات. ووضعوه
قرب مدخل شط العرب, بحيث يشرف على البحر والنهر, لتهتدي به السفن المتوجهة
الى ميناء الاُبُلّة.
ووضعوا الآخر في عرض البحر, لكي تستعين به السفن في ضبط مساراتها في الذهاب والإياب.
يتألف الخشّاب من أربعة أعمدة كبيرة من خشب الساج, على هيئة المنجنيق, وعلى
قمته حجارة وقرميد مقامة على عمد من الخشب كأنها برج للمراقبة, ومن فوقها
أربعة مقاعد يجلس عليها حراس السواحل. وفي الليل يشعلون سراجا في زجاجة
بحيث لا تطفئه الرياح والأمطار. .
شرايين شط العرب
يتفرع نهر الاُبُلّة من شط العرب, ويمتلئ بالماء
عند المد, وينضب في الجزر. وطوله فرسخ واحد. بيد ان ذيول هذا النهر طمرت
تدريجيا بفعل الترسبات الطينية, المنجرفة مع مياه الفيضانات العارمة, التي
كانت تجتاح العراق كل عام. فأصلحه أبو موسى الأشعري, وهذب أعماقه, وواصل
عمليات الحفر والتعميق حتى بلغت البصرة. فصار طول نهر الاُبُلّة أربعة
فراسخ. والفرسخ يساوي سبع كيلومترات تقريبا. ثم انطم منه ما بين البصرة
وبثق الحيرى. وذلك على قدر فرسخ من البصرة.
وإلى الجنوب من نهر الأبلة تتفرع شرايين شط العرب الأخرى. نذكر منها نهر
(أبي الخصيب). وينسب إلى (مرزوق أبو الخصيب), وهو مولى من موالي الخليفة
العباسي (أبو جعفر المنصور). . وإلى الجنوب من أبي الخصيب يأتي منعطف
(سيحان) حيث مقر إقامة (الجاحظ). وإلى الجنوب من سيحان يتفرع نهر
(الواصلية) المنسوب إلى (واصل بن عطاء الغزّال), الذي كان رأس فرقة
(الواصلية) , وهو مؤسس (المعتزلة). وهي فرقة كلامية نشأت في البصرة, وظهرت
في بدايات القرن الثاني الهجري، واستقرت في هذا الموضع. ثم يأتي نهر
الزيادية, الذي ينسب إلى (زياد بن الأصفر). وهو مؤسس فرقة (الزيادية). .
ويبدو أن المعتزلة كانوا كلما نبغ فيهم نابغ كان رأس فرقة قائمة بذاتها،
لتنسب إليه. فيقال (الواصلية), و(الزيادية), و(الجاحظية) . . ومن المفارقات
نذكر أن هذه الفرق استقرت على ضفاف شط العرب, واستوطنت على الشريط الساحلي
الممتد من (سيحان) إلى نهر (الزيادية) . وهي ليست ببعيدة عن مدينة
الاُبُلّة. . وفي الجهة المقابلة للواصلية تقع مدينة (عبادان). ويعود اسمها
إلى (عبّاد بن الحصين). .
المدينة الأنيقة
تعد مدينة الاُبُلّة من أكثر المدن نضارة وجمالا. إذ
تجمعت فيها عناصر الجذب التجاري والزراعي. وتميزت ببساطة أهلها, وقناعتهم
بما منحهم الله من خيرات. وكان تاجرها أعظم الناس تجارة. وغنيها أشد الناس
بذلا وتواضعا. وسخر لهم الله الماء يغدو عليهم ويروح صلاحا لمعاشهم, والبحر
سببا لكثرة أموالهم.
وعرفت المدينة بسككها العامرة, ودورها المزخرفة, التي لها أجنحة كأجنحة النسور, وخراطيم كخراطيم الفيلة.
تتوزع ابنيتها الأنيقة, التي بنيت من خشب الساج والأبنوس على ضفتي النهر.
فكانت تحفة معمارية نادرة. تتعطر بشذى الحقول, ورائحة الجنائن, وعبق زنابق
الماء. .
وازدهرت بساتينها بأشجارها الكثيفة, وسواقيها المتدفقة بالماء الزلال.
وكانت مرتعا وارفا لأشجار النخيل, المتسامقة بقامتها الفارعة على ضفاف نهر
الاُبُلّة. لتعانق سواري السفن والمراكب. .
ويا حـبذا نـهر الاُبُلّة منظراً
تفاخر بها خالد بن صفوان مخاطبا أهل الشام, بحضور وفود الأمصار المجتمعين
هناك . قائلا : يغدو قانصنا فيجيء هذا بالشبّوط والشيّم, ويجيء هذا بالظبي
والظليّم, ونحن اكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً وديباجاً وبرذوناً هملاجاً,
وخريدة مغناجاً. بيوتنا الذهب, ونهرنا العجب. أوله الرطب, وأوسطه العنب,
وآخره القصب. فأما الرطب عندنا فمن النخل. وهو مبارك كالزيتون عندكم في
منابته. هذا على أفنانه وذلك على أغصانه. .
وقال في موضع آخر : ما رأيت أرضا مثل الاُبُلّة مسافة, ولا أغذى نطفة, ولا أوطأ مطية, ولا أربح لتاجر, ولا أخفى لعائذ. .
وأحبها ابن أبي عيينة المهلبي, وكان لا يفارقها. وقال فيها عندما اضطر للرحيل عنها إلى جرجان :
فيا نفسي قـد بدّلتِ بؤساً بنعمةٍ
ويا عين قـد بدلت مـن قرّة عِبَر
ويا حـبذا نـهر الاُبُلّة منظراً
إذا مـدّ فـي إبّانه الماءُ أو جزر
ويا حسن تلك الجاريات إذا غدت
مـع الماء تجري مصعدات وتنحدر
وقال الأصمعي : جنان الدنيا ثلاث. نهر
الاُبُلّة, وغوطة دمشق, ونهر بلخ. وتعدها العرب من أجمل المتنزهات. وقالوا
انها أنزه الأماكن. وأشار إليها الشيخ محمد بن أحمد العمري الواسطي في هذا
البيت :
دار الهدى خف منك الأهل والسكن
وفزعت جهدها في ربعك المحن
ما غوطة الشام ما نهر الاُبُلّة ما
حمــراء غرناطة ما مصر ما اليمن
ويحكى ان بكر بن النطاح الحنفي مدح أبا دلف بقصيدة. فأثابه عليها بعشرة
آلاف درهم. فاشترى بها بيتا بالاُبُلّة. ثم عاد بكر مرة أخرى. وأنشده هذه
الأبيات, التي يذكر فيها نهر الاُبُلّة :
بك ابتعت في نهر الاُبُلّة ضيعة
عليها قصير بالرخام مشيد
إلى جنبها أخت لها يعرضونها
وعندك مال للهبات عديد
فقال له : كم ثمن هذه الأخت ؟. فقال عشرة آلاف درهم.
فدفعها له. ثم قال له : تعلم أن نهر الاُبُلّة عظيم. وفيه قرى كثيرة. وكل
أخت إلى جانبها أخرى. وإن فتحت هذا الباب إتسع عليّ الخرق, فاقتنع بهذه.
فدعا له وانصرف. .
كاظمة تذود عن الاُبُلّة
ومن اجلها, خاض المسلمون معركة ذات السلاسل, التي دارت رحاها في (كاظمة).
وسجلوا فيها إنتصارا ساحقا على الجيش الفارسي بقيادة (هرمز). ثم زحفوا
بأتجاه الاُبُلّة, وأطبقوا الحصار على المعسكر الفارسي, الذي كان يتحصن
فيها. وأدرك المسلمون أن الفزع يملأ قلوب الفرس. فباغتوهم بهجوم كاسح.
وأنفرط عقد الجيش الفارسي بعد مقتل قائدهم. وفتح المسلمون مدينة الاُبُلّة,
وأحكموا السيطرة على مينائها.
سر الاُبُلّة في مسجد العشّار
اختلفت الأراء في تحديد موقع نهر الاُبُلّة ومساره. وبرأيي ان نهر
(العشّار) الحالي. هو المرشح المقبول لتمثيل نهر الاُبُلّة. فالعشاّر تسمية
ضريبية, وتعزى إلى تجمع العشّارين عند مدخل النهر, لإستيفاء ضريبة العشر
(10%) من التجار. ولا يسمحون للسفن بدخول النهر, إلا بعد تفتيشها,
وتعشيرها. .
ولا يوجد مصدر تاريخي يوضح إرتباط اسم العشّار بمدينة الاُبُلّة, سوى كتاب (
سنن إبي داوود), الذي يكشف لنا الغبار عن هذا اللبس في التسمية. إذ قال
إبو داود السجستاني في (باب في ذكر البصرة) : قال حدثنا محمد بن المثنى عن
إبراهيم بن صالح. قال : إنطلقنا حاجين, فإذا رجل فقال لنا : إلى جنبكم قرية
يقال لها الاُبُلّة. قلنا : نعم. . قال : من يضمن لي منكم أن يصلي لي في
مسجد العشّار ركعتين, أو ربما أربعا, ويقول هذه لأبي هريرة ؟. فقد سمعت
رسول الله (ص), يقول : (( إن الله يبعث من مسجد العشّار يوم القيامة شهداء
لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم )). .
وتحدثت مصادر كثيرة عن هذا المسجد, الذي يحمل منذ بضعة قرون اسم (مسجد
المقام). وهو من المساجد البصرية, التي حافظت على شكلها, وموقعها حتى يومنا
هذا. إذن العشّار يمثل جزءا بسيطا من مدينة الاُبُلّة. .
وذكر (ناصر خسرو العلوي) : ان المسافة بين نهر الاُبُلّة ونهر المعقل, هي
فرسخ واحد. ولو حسبنا المسافة بين نهر العشّار ونهر المعقل الآن. لوجدنا
انها تقترب من سبع كيلومترات, وتساوي فرسخ واحد. وهذا يعني ان نهر العشّار
هو خليفة نهر الاُبُلّة.
ثم ان بقايا أطلال القصور القديمة المقامة حصريا على طول إمتداد نهر
العشار, والتي ما تزال شاخصة حتى الآن. إضافة إلى وجود محلة السيف (بكسر
السين), والتي يرمز اسمها إلى مستودعات تخزين البضائع المستوردة والمصدرة.
هي دليل آخر على وجود ملامح ورواسب تاريخية لنهر الاُبُلّة في حوض نهر
العشّار. .
في حين تقدم لنا محلة المشراق, الواقعة على ضفة نهر العشار, دليلا ملموسا
على : ان ما يسمى حاليا بنهر العشّار. هو نهر الاُبُلّة نفسه. إذ إن معظم
المصادر التاريخية تؤكد على. ان سهل بن عبد الله التستري دفن في محلة
المشراق على ضفاف نهر الاُبُلّة. .
وقالت العرب : ما بين نهر الاُبُلّة ونهر المعقل حلة . وهي إشارة إلى تقارب
وتوازي نهر الاُبُلّة ونهر المعقل, الذي حفره معقل بن يسار المازني. حيث
كان النهران يجريان صوب القبلة لمسافة أربعة فراسخ, ثم يلتقيان ويكوّنان
قناة واحدة تسير مسافة فرسخ واحد ناحية الجنوب. وهذه الحقيقة تؤكدها تحركات
سرايا صاحب الزنج. وتجحفله في المعقل, في المنطقة الواقعة شمال مدينة
الاُبُلّة. إستعداد للهجوم على المدينة المحصنة بالأسوار العالية. وباشر
بالهجوم من محورين. فشن غاراته من ناحية شط عثمان بالرجالة, وبما خف له من
سفن من ناحية شط العرب. وأخذت سراياه تضرب إلى ناحية نهر المعقل. وهذه
دلالة أكيدة على أن نهر المعقل من الأنهار القريبة لنهر الاُبُلّة. وبما ان
نهر العشّار هو أقرب الأنهار الكبيرة إلى المعقل. فإن الإستنتاج المنطقي
يشجعنا على الإقناع بأن نهر العشّار هو نهر الاُبُلّة. وليس غيره. .
مدينة تحت الرماد
كتب لمدينة الاُبُلّة أن تتحول إلى بركان يغلي بالثورات, والحروب الدامية
منذ القرن الثاني للهجرة. ثم صارت ثكنة عسكرية تعج بكتائب الجيوش الجرارة.
ومرت بمراحل مأساوية متعاقبة. وصبت عليها الأقدار سوط عذابها. وسحقتها
المعارك الطاحنة, التي اتخذت منها ساحة دائمية للقتال. ومزقتها الأحقاد,
والنزاعات الداخلية الضارية, والصراعات السياسية العقيمة. ودمرتها الغارات
الهمجية المتلاحقة. ونهبها اللصوص والقراصنة. وحاقت بها الملمات, ونزلت
بساحتها النكبات. وأحالتها إلى خرائب مهجورة, ينعق فيها البوم. .
أما نهر الاُبُلّة, الذي كان يحتضن أكبر موانئ العالم. فقد صار مستودعا
للنفايات النفطية, ومستنقعا لمياه المجاري الثقيلة, والمخلفات الصناعية. .
ودفنت تلك الربوع الجميلة في دفاتر النسيان. وأسدلت ستائر الأهمال على
ميناء الاُبُلّة, الذي كان يوما من أكبر جسور العالم القديم . ولم يعد يذكر
إلا في المقررات الدراسية لسلطنة عمان. التي تركزت اهتماماتها على حفظ
التاريخ الملاحي لحوض الخليج العربي. اما اسم (الاُبُلّة) فصار عنوانا
لقرية صغيرة من ضواحي مدينة المعقل بالبصرة. بناها رئيس سلطة الموانئ (مزهر
الشاوي), الذي إزدهرت على يده الموانئ العراقية في ستينيات القرن الماضي. .