رأسها الفارغ، إلا من قصص الحب، وهلوساته، يقودها إلى كسر قيودها، والتحرر من كلمة عيب.
منذ
أن عرفت معنى لماذا، هي مختلفة عن أخيها، وأنها متهمة بجريمة أنوثتها،
ومعتقلة بحركاتها، التي يفسرونها كحركات مقصودة!!، فلا يكفون عن مطاردتها،
بالانتقادات أينما وجدت!!
جدتها تقول:
- لا تجلسي، بهذه الطريقة، البنات المحترمات، لا يفعلن هذا!!
لا تلعبي، مع ابن عمك. ألا ترين نفسك في المرآة؟؟
وأخوها لا يكف عن الصراخ آمرا:
لا تلعبي في الشارع..
لا تبتسمي..
لا تتكلمي..
لا تتحركي..
أما أمها، فتردد مذعورة:
لا تقفزي، قد تؤذين نفسك
البنت يجب أن تحافظ، على نفسها
تطاردها
لعنة العيب، تشل تفكيرها، جعلتها تنظر، إلى أخيها، بحقد، وغضب، فهو لا
يملك شيئا يخاف عليه. أما هي فتملك أسرار الشرف، وقاموس القيم
حين
تنفرد بجسدها في غرفتها، تقف أمام المرآة، وتنظر إلى تفاصيلها، وتمعن
النظر في وجهها، وشفتيها، وعنقها، والرمانتين اللتين نضجتا، في صدرها، ما
يجعلها تشعر بنشوة أنوثتها. تذهب إلى مدرستها، محتضنة كتبها لتخبئ
تضاريسها، فيشوب وجهها احمرار ساخن يجعلها لافتة للنظر.. وكأنها متلبسة
بابتسام جسدها
عندما
التقت ذلك الفتى، لم تصد جوعه إليها، ولم تدرك أن عليها، أن تتقن
الـ(لا).. فكلمة عيب، وكلمة ممنوع تثيران فيها رغبة قهرهما بكلمة (نعم)..
لم
تكن تعرف الفرق بين الحب، وسريان الدم الدافئ الذي اجتاح جسدها عندما
قبلها. وحين تمادى أكثر.. كانت تسمع كلمات أمها، وأخيها، وأبيها، وكل من
وجّه لها نقداً، أو تهمة، لكونها أنثى..
لم يشرح لها احد الفرق بين أن تمنح جسدها لصدفة عابرة، أو تمنحه في قصة حب خالدة..
وحين أنكرها الفتى، فنقلها من حالة السحر، إلى حالة الألم، لم تدرك أنها ستدفع عمرها ثمنا للتشويش، والحقد، والإرتباك الجسدي..
كل يوم تتكرر قصتها.. كل لحظة تنتهي حكاية، لتبدأ الحكاية ذاتها..
بدأ
بطنها يكبر شيئا فشيئا، لم تكن تعلم ما الذي يحدث في جسدها، ولم تعلم أن
في أحشائها روحا. قدر لها أن يكون أبوها رجلا عابرا، بلا تفاصيل.. لم تحبه
يوما، ولم تعرف إحساس الأبوة معه.. فهي لا تدرك معنى أن تكون امرأة كاملة
مع رجل كامل!!
جحظت عينا أمها مذعورة، وقالت:
- لِمَ تبدين منتفخة؟؟
لم تجبها، فسألتها، عمّا تمر به النساء، وأسئلة أخرى، فاكتشفت الأم المصيبة.
أدخلتها الغرفة وقيدتها، بانتظار عودة والدها، من عمله
تتذكر، أنه كلما التقت عيناها، بعيني أمها تصرخ الأم:
- هل صليتِ؟
تصلي كل يوم بأمر من أمها، لا حبا بربها. فأمها لم تعلمها حب الله، لتؤدي واجب حبه، بل فرضت عليها طقوسا غريبة، من دون وعي، أو علم
لم تبك، ولم تصرخ، ولم تستنجد بأحد، بينما أمها تردد :
- ساقطة جلبتِ لنا العار..
الجدة تثير زوبعة حولها، وتردد:
- "البنت إذا ما جابت العار، بتجيب العدو على باب الدار"
لم
تكن تعلم أنها تعيش ساعاتها الأخيرة، وأنها ستموت بطعنة من سكين، وبيدي
والدها الذي لم يحضنها يوما، أو يعتني بوجودها. ستموت وعلى شفتيها ابتسامة
دهشة، مما حدث لها فجأة!!
وفجأة، ارتفع صوت الأم، فهرع الجيران، ليروا الفتاة غارقة في دمها..
والجدة تزغرد: وتحتضن ابنها مهنئة:
- غسلت عارك بدمها.. ستة أشهر، وستعود رافع الرأس..
جريمة الشرف لا تكلف كثيرا.. روح فتاة صغيرة.. وسكين، وزغرودة..
لم يصلوا، على جسدها، ولم يقيموا مراسم عزاء، ولم يبكها أحد غيري..
بكيت، من قسوة المجتمع، وطرق الوأد، على مرور العصور..
بكيتها،
لأنها لم تعطَ فرصة، لتتعلم فتفهم.. ولم يكن لها مرة ثانية، وغلطة ثانية،
لم تمنح وقتا، لتنهض من عثرتها.. لم يقدر لها، أن تقول أنها لم تكن تقصد.
وأنها كانت تريد أن تكتشف فقط.. لا أن تذهب إلى الموت، لأنها أرادت معرفة
أسرار جسدها..