يقول الشيخ :
جاءني فييوم
من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب مجموعة من أقاربه ،
لفتانتباهي ، شاب في مثل سن الميت يبكي بحرقة ، شاركني الغسيل ، وهو بين
خنين ونشيجوبكاء رهيب يحاول كتمانه ، أما دموعه فكانت تجري بلا انقطاع …..
وبين لحظةٍ وأخرىأصبره وأذكره بعظم أجر الصبر … ولسانه لا يتوقف عن قول :
إنا لله وإنا إليه راجعون، لا
حول ولا قوة إلابالله

هذه
الكلمات كانت تريحنيقليلاً … بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت به بالشاب : إن
الله أرحم بأخيك منك، وعليكبالصبر , التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي

ألجمتني
المفاجأة ،مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب , نعم إنه ليس أخي ، لكنه
أغلى وأعز عليّ من أخي… سكت ورحت أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه

إنه
صديق الطفولة ، زميلالدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة المدرسة ، ونلعب
سوياً في الحارة ، تجمعنابراءة الأطفال مرحهم ولهوهم , كبرنا وكبرت
العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلادقائق معدودة ، ثم نعود لنلتقي ،
تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً …التحقنا بعمل واحد … تزوجنا
أختين ، وسكنا في شقتين متقابلتين …رزقني الله بابنوبنت ، وهو أيضاً رُزق
ببنت وابن … عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندمايجمعنا ، وتنتهي
الأحزان عندما نلتقي

اشتركنا في الطعاموالشراب والسيارة … نذهب سوياً ونعود سوياً … واليوم … توقفت الكلمة على شفتيهوأجهش بالبكاء

يا شيخ هل يوجد فيالدنيا مثلنا ؟؟ ….

خنقتني
العبرة ، تذكرتأخي البعيد عني ، لا .. لا يوجد مثلكما .. أخذت أردد ،
سبحان الله ، سبحان الله ،وأبكي رثاء لحاله … انتهيت من غسله ، وأقبل ذلك
الشاب يقبله ….. لقد كان المشهدمؤثراً ، فقد كان ينشق من شدة البكاء ، حتى
ظننت أنه سيهلك في تلك اللحظة … راحيقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه … أمسك
به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه

وبعد
الصلاة توجهنابالجنازة إلى المقبرة … أما الشاب فقد أحاط به أقاربه …
فكانت جنازة تحمل علىالأكتاف ، وهو جنازة تدب على الأرض دبيباً … وعند
القبر وقف باكياً ، يسنده بعضأقاربه … سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو …
انصرف الجميع



عدتإلى
المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ، وتقف عنده الكلمات
عاجزةعن التعبير … وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ،
أخذت أتأملها، الوجه ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه ، ولكن أين شاهدته … نظرت
إلى الأب المكلوم ،هذا الوجه أعرفه … تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت
حزيناً … يا شيخ لقد كانبالأمس مع صديقه … يا شيخ بالأمس كان يناول المقص
والكفن ، يقلب صديقه ، يمسك بيده، بالأمس كان يبكي فراق صديق طفولته وشبابه
، ثم انخرط في البكاء … انقشع الحجاب ،تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه

رددتبصوت
مرتفع : كيف مات ؟ عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر
أنينام ، وعند صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ، وهنا سكت الأب ومسح دمعاً
تحدر علىخديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ، وأخذ يردد : إنا
لله وإنا إليهراجعون …إنا لله وإنا إليه راجعون ، اصبر واحتسب ، اسأل الله
أن يجمعه مع رفيقه فيالجنة ، يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين
فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوملا ظل إلا ظلي … قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم
صلينا عليه …. توجهنا بالجنازة إلىالقبر ، وهناك كانت المفاجأة … لقد وجدنا
القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً



قلتفي نفسي:
مستحيل .. منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل… أنزلناه فيالقبر
الفارغ ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد،

يالها
من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمعت القبور
بينهماأمواتاً … خرجت من القبر ووقفت أدعو لهما : اللهم اغفر لهما وأرحمهما
، اللهمواجمع بينهما في جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند
مليك مقتدر ،ومسحت دمعة جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما



*************


منيقول
في نفسه أن الصديق لا يؤثر في صديقه فهو يكذب على نفسه و يضيعها .. فلو
كانالصديق الفاسد لا يؤثر بين أصدقاء صالحين ..فما بالكم بالتفاحة الفاسدة
التي تخربصندوقا كاملا من التفاح الطازج بينها ؟؟

فانظر
لنفسك و انتقِ أصدقاءك وكن صديقا صدوقا وبادر دومابالصلح وكن نعم الصديق ،
فربّ أخ لم تلده لك أمك .. فالصديق الصدوق هو من يدوم، لاصديق المصلحة فقط
، وصديقك الحقيقي هو من صدَقَك بالقول والفعل وخاصة عند الشدائدلا من
صدّقك وأومأ برأسه بأنه يصدق كل ما تقول وربما هو الظاهر فقط

فلنحتفظ بأصدقائنا المخلصين ولنكن نعم الأصدقاء قولاوعملا .